أهلا وسهلا بكم في صفحة من صفحات التاريخ المندثر ...صفحة من مهملات التاريخ أوشكت على الضياع كما سابقاتها...
هو ضياع الذات الفلسطينية الذي تحول مع الأيام ليصبح ثورة النفس الداخلية التي تختلج داخل النفس بصمت منتظرة ثورة جريئة تطلق العنان لحرية الدفاع عن أبسط الحقوق التي يحتاجها الفرد الطبيعي,وأقصد هنا الفرد العادي الذي يملك أي نوع من المشاعر البشرية..
صباح الخير...يستيقظ ذلك المواطن العادي يفتح التلفاز على صوت فيروز بطقوس القهوة و السيجارة أو الأرجيلة ,تبدأ تلك النفس بالانفراج و سعة الصدر في مناخ فلسطيني فيروزي...
نشرة الأخبار أهلا بكم ...استشهاد أربعة مواطنين في قصف إسرائيلي على غزة,قوات الاحتلال تعتقل عدة مواطنين من مناطق متفرقة في الضفة الغربية,مستوطنون يحرقون أشجار زيتون في الخليل,اسرائيل تغلق حاجز حوارة في نابلس.,استمرار المظاهرات في سوريا و التي أسفرت عن مئة قتيل حيث ....يطفئ التلفاز...يشتم اللحظة التي اغتالت الموقف الفيروزي...يرتشف أخر رشفة من فنجان القهوة...يغلق باب منزله منطلقا إلى وظيفته فاليوم أخر الشهر مما يعني أن هناك فرحة الراتب المنتظرة..
يستقل الحافلة فهي الوسيلة الأرخص التي تتناسب مع ميزانيته العادية...فمازال راتبه محدود حتى بعد مضي اثنا عشر عاما على وظيفته الحكومية هذه ...أصوات الأحاديث المتداخلة أشعرته بنمنمة إزعاج كانت مقبولة و عادية له طالما طغت على صوت نشرة الأخبار الإذاعية في الحافلة.
يضغط فجأة سائق الحافلة بقدميه على الفرامل ليمد رأسه و يبدأ بالصراخ "شو معمي على قلبك يا زلمة رحت ما تدهورنا" ,يخرج سائق السيارة من جهته ويرد بصوت أفخم ونظرة عدائية " الحق عليك شو أعمى ..يا صباح يا عليم تعال انزل لهون نتفاهم" ...تنخفض نبرة سائق حافلتنا "خلص حصل خير اجت سليمة توكل عالله " ,يمضي في طريقه يتمتم " الحق على الحمار الي عطاك الرخصة ..,ووابل من الشتائم ليفرغ ما بداخله من طاقة أخنعها ذلك السائق "اللي طلع أد حالو و اجاه من فوق " شكلو مش عادي وواصل...
يصل ذلك المواطن إلى مبنى عمله ,يقابله زميله المواطن العادي في المكتب ساخطا على الخصومات التي أصابت الراتب هذا الشهر و الضرائب التي خُصمت " يا زلمة رح يطق عقلي المسخم مش قادر أستوعب هالحياة أسعار نار و راتب قليل ,ما عم بلحق و هالضرايب كسرت ضهري " ضريبة الدخل,ضريبة القيمة المضافة ,المعارف,النفايات, الأملاك, الدفاع المدني ..والحبل جرار بيطلعوا أكتر من 11 ضريبة و الله شي بيطقق العقل "...
ينسحب زميله و في رأسه ألاف الأفكار المضطربة , لابد و أن هناك التزام عليه هذا الشهر لم يستطع تسديده ...الله يعينه.."يلا عادي "
يمضي وقت الدوام بين ضغط العمل و حالة من الضجر و أحاديث متفرقة عن الوضع الاقتصادي المتردي و قلة فرص العمل و الغلاء و المتفشي ,و مات فلان ,وأصيب فلان , وفلان مجاز, وفلانة تزوجت...نشرة أخبار محلية مفصلة و مقيتة...
ينتهي الدوام و يمضي المواطن العادي عائد إلى منزله بيوم غير عادي لأول مرة منذ شهر , ليس مهما حجم الراتب و لكن الأهم أنه نصف يوم غير عادي و مميز ...
يهاتفه صديقه المغترب ,,,كيفك ,,كيف الوضع عندكم,,, أنت بخير؟؟ أهلك بخير؟؟؟شو الي صار ؟؟كيف ؟؟و ليش؟؟ وين بالزبط ...يختنق صوته القلق على الوضع الفلسطيني , يصله بالخطوط اللاسلكية خوف وقلق صديقه , أجابه ببرود كلو عادي , إحنا مناح و بخير...
كيف لذلك المواطن العادي أن يفهم صديقه المغترب أن كل شيء هنا أصبح ضمن مسمى العادي و الأمر الغير عادي هو أن يمر يوم هادئ دون أحداث و دون حنق اخرين عاديين مثله ,هي حالنا يا صديقي لم يعد بوسعي ان اجأش لك و اخبرك اننا نموت ألف مرة كل يوم , هي حالنا يا صديقي لم يعد بوسعي أن أنتفض بثورة الحماس لأحدثك عن الوضع هنا ,, فالعين محتقنة و القلب لم يعد ينبض الا بالعادي ,,,اعذرني يا صديقي فقد قتلوا داخلي ثورة الحماس اعذرني يا صديقي فالقلب متعب ..و كل شيء هنا عادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق